السبت، 21 أبريل 2018

اثبت

يوماً ما، ستنكشف جميع الأسرار، وستبدو أجزاءها الصغيرة -التي نثرتها بين جد حديثك وهزله- إما أكثر عمقاً، أو أكثر سخفاً.
ستظهر الحقائق عارية بأوزانها الثقيلة، وتغيب عنها الألوان فإذا هي بيضاء، بعد أن دارت عليها عجلة ألوان الطيف مراراً وتكراراً، سنبكي ضحكاتنا، وسنسخر من دموعنا، وسنتنفس الصعداء.
يوماً ما، قد نُرى راكضين بين نخلة وبيت طيني في ذهول وحيرة، هل بدت لك النخلة جارة للبيت الطيني؟ أخطأت. كانت كذلك يوماً، تفصل بينهما الآن مئات الفراسخ. هل اعتقدت أنك لن تضطر يوماً للاختيار بين شقيقين؟ أخطأت مجدداً وليس ذا بغريب.. كانت جدة والدي كثيراً ما تردد البيت الشهير "الزمن ما تغير بس أهل الزمن ويلاه متغيرين" وتعقب بعده بتعليق أو اثنين، ثم إنها توفيت، وتغير الزمن، وتغير أهله، بشهادة الزمن، وبشهادة أهله. وأنا تغيرت، -ولا أدري هل آسف أم أسعد- إذ لم يتغير صوتي، أنا واثقة أن أفكاري تغيرت، وكذا اعتقاداتي ونظرياتي وفلسفاتي، إلا أنني كلما فتحت فمي خرج الصوت ذاته، لصوتي كلمات محدودة، وعبارات معدودة، لا يجيد غيرها على ما يبدو، أغير ترتيبها سعياً للحصول على نتائج مختلفة، لكنها أقل مما ينبغي.
يوماً ما سأقتني المزيد من العبارات، بل الكلمات، أو حتى الحروف، وسأحاول الحديث مرة أخرى.. أنا لا أكره صوتي. أنا أكره خيبة الأمل.
يوماً ما سأسمح لما بداخلي بالخروج، دون دموع، ودون كلمات.. يبدو أنني أخاف الانفجار، -عندما أقول انفجار أعني ما تقوم به عيون الأرض لا القنابل (وهذه ليست صورة سلمية ناصعة)-، أو كأني أحاول رسم مجارٍ لضبط السريان.
يوماً ما، سأحلم بألوان قانية، وترتيب واضح، وصفاءٍ تام، سأحلم بما هو بعيد عن المثالية بشكل مثالي، هل هذه مثالية؟ لا أعتقد، فأنا أقصد قول: (بشكل موزون)، إلا أنه ينبغي علي توظيف مصطلح المثالية، فكلماتي -كما أسلفت- محدودة، ولا أريد تعطيل أي منها.
كثير من الأشياء تبدو لي منطقية إلى حد بعيد، وظننت أن ذاك يعني فهمي للشيء وإدراكيه، أخطأت.. أنا الآن لا أفهم الحنين، والذي هو الأكثر منطقية في الوضع الحالي -الأبعد عن الحلاوة-، يوماً ما سيخنقنا الحنين، وسنختنق.
أتمنى لو كان بإمكاني استبدال كلمة الحنين بأي بديل آخر، فمبنى الحنين يبدو لي مستهلكاً، إلا أني لا أجد لمعناه مرادفاً.
أنا أخطئ كثيراً، وأتغير قليلاً، وقليل دائم خير من كثير منقطع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق