الأحد، 21 مارس 2021

الجمعة والجماعة

أحب النصوص النثرية التي تفوق عذوبتها الأشعار المنظومة، والغيوم الكبيرة المتراكمة، والسماء الممتدة الصفاء إلى نهاية
غير مرئية.
كما يعجبني وصل الصمت بالصمت، ووصل الكلام بالكلام. 
وأقدر الهمس الذي تتمتم به مع نفسك انفعالًا فتتلقّاه الأذن المجاورة دون دعوة منك، واللقمة التي لا يطيب لك بلعها دون مشاركتها مع القاعدين يمينك وشمالك، ويد الغريب الحاضرة لإسعافك إذا ما استدعى الأمر.
أحترم المجاملات الاجتماعية، والتلطف الذي نترك به مزاجنا المعكر جانبًا بتلقائيةِ شرقيٍّ يخلع حذاءه عند أبواب المنازل.
لا أجزم بحب الزحام، لكن مشاهدته طيبة، والوقوف وسطه لغاية طيبة طيب كذلك، جميلٌ أن تعرف مكانك وسط الحشود، أن تقف مع الحشد الذي تنتمي إليه.


.

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020

أبحث عن عينيّ

أعرف من نفسي الكثير، وأختار ادّعاء جهلي بالكثير، فالشجاعة والتعب لا يقفان على خط الترادف والمقابلة.

وأنا أيضاً أحب اختيار التأويلات مالم تعقِّب أضرارًا.. فأختار تأويل قلقي ورجفة يديّ على أنهما دليل القوة والجَلَد.

استبدلت مؤخرًا كمًّا لا بأس به من عاداتي، كالتسامح مع النوم، وشرب المياه سوداء، والالتزام بالبحبحة.. وأحب تقدمي في السن، كما يزعجني مرور الوقت، لا أحب أن أزعج الناس بأحاديث شخصية، لكني سرعان ما أكتشف أن الأحاديث الشخصية هي الأكثر عمومية واشتراكية، فنحن متشابهون لدرجة تجعل حديث أحدهم عن نفسه انعكاسًا للآخر يساعده على التنفيس والارتياح. 

وتشتبه عليَّ انتماءاتي، سواءً الزمانية أو المكانية، ومحاولاتي المستمرة في البحث عن النمط والعلّة تصل إلى نهايات مغلقة، لأتذكر أخيرًا أنه علي أن أشتغل بما هو أجدى.

حسن الحظ أجلسني أمام نافذة يعبر منها النسيم العليل، أتركها خلفي فأجد عيناي تمامًا حيثما ينبغي عليهما أن تكونا. أكاد أجزم بخلوِّ داخلي من ذرة سخط، في حين يزعجني شعورٌ وكأن أحدهم يدّعي مصرًّا أنني ساخطة، لست غير منزعجة، ولا أبذل جهدًا للتبرير، فقط أعتقد أن بعض الصفاء قد يساعدني في إفساح المجال للرضوان كي يسود ويتجلى.

أرفض التشتت، فآتي إلى هنا، شيءٌ في هذا المكان يشعرني بالاستقرار والتركيز، ويسعدني أنني اليوم أرى بوضوح.

.

الأحد، 2 فبراير 2020

أنا لا أرتدي النظارات الشمسية

أختنق بالرطوبة ليلاً في مدينة ساحلية، تتكثف المياه على المرآة فتبدو رموشي وكأنها مبتلة بالدمع..
أتذكر طعم الآيسكريم الذي تناولته قبل خمسة أشهر من اليوم.. كان عاديًا، كما هي معظم الأشياء.
تتعاقب الأيام بسلاسة، وتنقضي الأعوام كما انقضت قبلها أعوام.

لا يمكنني تجاهل كوني هنا مع وجود أبواق السيارات هذه، أنا هنا، كما ترون.
تخطر على بالي شجرة الليمون في وسط ساحة مدرستنا الابتدائية، السور الصغير المحيط بها، والكرسي المجاور، كنت جالسة على ذلك الكرسي عندما رأيت القمل لأول مرة، وحاولت ألا أبدي استغرابي واستيائي.

فتحت الدرج أمامي في العربة، وجدت نظارة شمسية. في المدن الساحلية يحب الناس ارتداء النظارات الشمسية.

هذه الليلة هنا في الجو الرطب الخانق، إنها ليلة مزعجة ولست بحاجة إلى أيهم ليحادثني شخصيًا.
أترجل من العربة وأتذكر طريق العودة من حفل عيد ميلاد أحد الأصدقاء، قبل ما يقارب أربعة أعوام.. طريق طويل وهادئ لم أسترجع فيه أيًا من لحظات الاحتفال، إلا أنني تذكرت فيه فجأة أني لا أذكر طعم أي شيء تناولته هناك.

صادفت أحد الأقارب، قفز طفلهم الصغير ليحتضنني.. أتساءل إن كان هذا الطفل يحبني فعلاً أم هي حماسة الأطفال المعتادة عند رؤية معارفهم صدفة.. افترقت طرقنا سريعًا.
تذكرت بطاقة بريدية بعثها إلي أحد الأصدقاء، لا أذكر في أي صندوق أحتفظ بها.

الأربعاء، 18 سبتمبر 2019

بقايا تعلقات النفس

وجوم صامت بدلاً عن الحماس
نغز في القلب عوضًا عن المعدة
ونظر طويل للبعيد يحل محل التلهف والتلفت يمنة ويسرة

لا تترك لنفسك مجالًا للعودة، لا تطمع فيما ليس لك..
أنت تعرف جيدًا.. إنه ليس لك.
حتى.. إنه في مكانه الصحيح.

اطمئن.

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

بعض الأفكار أوضح من أن تكتب هنا، وبعضها واضح لدرجة لا يمكن معها إلا أن تكتب هنا

اعتاد الحلم أن يفرض نفسه علي ليجنبني أضرار الحرب، واعتدت مواجهته بالوقائع والواقع، أما اليوم ولأول مرة: اخترت أنا الحلم، ورقدت بجانب التعب.

هذا السلاح الأخير بحوزتي، هذا الوضوح، ثقيل جدًا، ناصع جدًا.
وهذا العدو الوحيد قبالتي، هذا العجز، بشع جدًا، مترهل جدًا.
التكافؤ مفقود، فيقعد كل منهما محدقًا في الآخر.

يفر النوم من عينيَّ ويرمي بي الأرق إلى الشوارع الهادئة والطرقات، أحج في امتدادها أهدافًا مختبئة، أجمع قطع الأحاجي المعقدة التي تسفر عن صور بسيطة وجميلة، إن أكثر الأحاجي تعقيدًا تعود لأكثر الصور بساطة، وقبل اكتمال المهمة يداهمني النعاس فأنام على الرصيف، وأجدني صباحًا ضائعة وسط فوضى عارمة وضوضاء شديدة، فأعود إلى المنزل. مهمتي لا تكتمل.

يغيب عنا الجمال أحيانًا حتى أنه إذا ما بدا يبدو حزينًا، وذاك يضطرنا لأن نشيح بوجوهنا عنه، ليست لنا حاجة لمزيد من الحزن.

تتجول القطة في الشارع بعينين غير مكترثتين، لكنها تفوقك نباهة، أنت ذكي للغاية، وهذا هو سبب شرودك المختبئ خلف عينيك المنتبهتين، قد يقتلك الشرود ويوسد عقلُك الذكي التراب.

يحول بيني وبين بعض رغباتي جدارًا يريد أن ينقض من الغثيان، ولا أهدّه ولا أقيمه. وإني أو لأني -ولو شئت- لما أُعطيت عليه أجرًا.




الخميس، 6 سبتمبر 2018

حىر

إن كنت تخبر الاشتياق فأنا آسف لذلك.
الوجوم المخيم فجأة على قلبك، الوهن الخفيف في أطرافك، والضعف في ساعديك وسعادتك.
رأيت في منامي الأحباب، ومشاعري تتجلى على وجوههم وفي أدمعهم، رأيتهم يسندون رؤوسهم على صدور بعضهم البعض، دموعهم تنحدر ببطء، حواجبهم مقطبة، وكأنهم يعلنون الاستسلام لهذا الشوق ولهذه الوحشة.
رأيتهم ورأيتني فيهم.

ما ظننت الفراغ يمتلئ بعُدْم شيء.
لم أعد أمشي كثيرًا ولا أشرب الشاي بكثرة كما اعتدت..
نزر قليل من كل شيء وأجدني ممتلئة حد الإرجاع.. لم أعد قادرة على الاستماع لك، ولا الحديث إليك، ولا القعود معك.
لا أجلس ولا أقوم.. أرى أحلامًا غريبة، أحيانًا أشعر أني لا أستحق أحلامي.
لا يعجبني كلامك، واضح أنك تستمع لناس مملين.
أنت لا ترى إلاك، ستقبع في جهلك، وتوكل إلى نزير عقلك، إن ظننت أن حويت علمًا فاعلم أنك جهلت علومًا.

هل تحبني؟ أنا فعلًا أتساءل، ليس أني أهتم، ولا أني أرجو، لكن أنا لا أعلم، وأريد أن أعلم.

لا أستطيع تصور الآتي، ما التالي؟ أين ومتى وكيف ولماذا.. كله مبهم.

الألم حقيقي، كما أنت تمامًا، إلا أنه يفوقك عنادًا وإصرارًا وقسوة.. لا يرحل عنك إلى أن تلتفت إليه، إلى أن تصرخ فيه/منه، وهاك مني اعتراف: أنت أقوى مناضل متجاهل.. ألا يكفيك هذا؟

عد إلي، عد إلى رشدك، لا تطلب مني ما لا أستطيع إعطاءه، أنا عرفتني من قبلك، معقدة بعض الشيء.




الأربعاء، 6 يونيو 2018

العقدة الرفيعة

لطالما بحثت، أنا أعجز عن وصف أفكاري ومواجيدي، لا أملك الكلمات. حتى بت أبحث عن الكلمات في كل مكان، أنهيت كتبًا ودواوين، تصفحت العديد من كتابات الفلاسفة والمفكرين.. وما استطعت.
ثم وقع بين يدي كنز فريد يتيم، يحوي الكلمات، كل الكلمات الضائعة، أبهرتني دقتها، وأعجزتني بلاغتها، ينعقد لساني وتلتقي يداي في حيرة وإعجاب كلما أنهيت سطرًا، وتغدو أنفاسي ثقيلة كلما تمعنت شطرًا.
ثم إنني بكيت، لم يكن بكاء الإعجاب المعتاد، إنما بكاء البَون والبعد، بكاء العجز والضعف. إن كنت أفقه شيئًا فإن هذه الكلمات أرفع من أي شيء قدرًا، وأبعد من أي أربٍ شأوًا..
وما شبّهت الكلمات مع ما يجول بخاطري، إلا لقصور فهمي، وشديد جهلي.
أنا التي ما كرهت شيئًا كرهي لامتهان القدير -وإن كان بحسن نية-، أجدني أتمنى أن أتخذ من هذا الكلام إلهامًا لإنجازات حسية.
أتحرق بين اندفاع وتقهقر، ولا أجد لي خلاصًا.

{رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}